تعيب على أسرتي وأصدقائي تفضيلي الدائم للأعمال الفنية الأجنبية أياً كانت جنسيتها على الأعمال الدرامية العربية وبالأخص المصرية.. ولكني لم اعد أستطيع منذ مدة طويلة أن أتحمل الهراء الذي تبثه قنواتنا المصرية والعربية العزيزة.. وبما أنني أهوى مشاهدة الأفلام بالفعل فقد اتجهت لما يضيف لعقلي ويشبع رغبتي في المعرفة حتى وان كانت خيالية..وبالتأكيد كل من يتابع جديا الساحة الفنية سيعرف ان الفن العربي يخلو من أي معرفة.. ولكني لن أكون من الغباء بحيث أعمم وصفي هذا على جميع الأعمال الفنية في المطلق.. فقط في الأعمال التي تستخف بعقولنا وتفكيرنا، وهي للأسف أكثر من أن أحصيها…
المهم أنني مهما حاولت إقناعهم بفكرتي لا يقتنعون.. ولكني اعلم أن هناك من يوافقني الرأي، وسأروي لكم موقفاً حدث لي في شهر أكتوبر 2010 أي بعد رمضان الماضي، حيث أنني بعد انتهاء هذا الموقف مباشرة لم استطع إلا تدوينه مع باقي المواقف التي تمر علي واندهش لها فأدونها وأنساها بين أوراقي .. وسأنقلها لكم من الورقة كما هي لن أضيف أو أنقص منها شيئاً ولكم أن تروا الفارق بين ما عرض منذ عام وما يعرض اليوم.
عندما ينتهي الفيلم الذي تتابعه أو البرنامج أو أي مادة إعلامية أخرى تكون مستغرقاً فيها، ماذا تفعل؟!..
تمسك بالريموت وتتنقل بين القنوات الفضائية في ملل –وهذا إن كنت أنسانا سوياً لا تلبد أمام قنوات الكليبات عمال على بطال- وعندما تنتقل من قناة إلى أخرى ترى العجب العجاب.
هذا ما فعلته بالضبط، فقد انتهى الفيلم الأجنبي الذي أتابعه وقبل أن أغلق التليفزيون أمسكت بالريموت ورحت أتنقل بين القنوات، وأنا في الغالب لا أهتم كثيراً بالمسلسلات العربية ولا استطيع أن أتابع إحداها حتى لو كانت تروقني، ولكن شيئاً ما استوقفني على قناة جديدة لعرض المسلسلات.. فقد رأيت ما يبدو انه مشد من شيء ما.. عبارة عن صالة ديسكو يتحلق الشباب والفتيات حول البيست الذي يعلوه الـ DG ثم فتاة تكاد لا ترتدي شيئاً ترقص بخلاعة شديدة.. لم أطل.. فقط قلبت شفتي امتعاضاً وهممت أن اضغط على سهم الرجوع فإذا بوجه منة شلبي يظهر وبجانبها ممثل شاب لا أتذكر اسمه الآن –ولو أني اعتقد انه في طريقه إلى النجومية-..
ارتسمت معالم الدهشة على وجهي فأنا لا اذكر لمنة مسلسلاً حديثاً.. ثم سمعتها تقول بلهجتها السريعة لصديقها: يا بني أنا أمي رقاصة، يعني الرقص ده في الجينات الوراثية بتاعتي!!
ازدادت دهشتي ولم أفهم على وجه التحديد هل هو برنامج من البرامج الواقعية الجديدة التي تصور الفنانين بغير علمهم.. أم انه تمثيل بالفعل؟!!...ولم تكد السيجارة التي في يدها تنتهي حتى أخرجت أخرى وبدأت تدخن باحتراف .. سوري.. باحتراق شديد.
وانتقلت الكاميرا إلى البيست مرة أخرى لتظهر فتاة أخرى لا اعلم من أين جاءت ترتدي شيئاً يشبه الميكرو جيب ولكنه اقصر –بعد تفكير عميق أتساءل: إن كان موجوداً من الأساس- وفوقه بادي اسود يظهر أكثر مما يحجب، وبالطبع كانت ترقص..وبالتأكيد كان كل الموجودين يلهبون أكفهم بالتصفيق، وعلى الجانب الآخر كانت منة تشعل سيجارتها الثالثة وهي تدق بقدمها على الأرض من كثرة الغيظ وتقول لصديقها في حدة: المكان ده بقى"لوكل" أوي!!...
ولكن صديقها كان مشغولاً بالنظر إلى الفتاة اللوكل –البيئة يعني- والإشارة لصديقه الذي يجلس بجانبه بما معناه أن هذه اللوكل تروقه جداً.. ولا اعلم على وجه التحديد لماذا -بس هه .. المخرج عايز كده- وتوالت الفتيات يتبارين في الرقص.. وعندها قامت منه -لا اعلم ماذا كان اسمها في هذا المسلسل- لتظهر بعضاً من جيناتها الوراثية ولتثبت للجميع وقبلهم صديقها أنها رقاصة بنت رقاصة!!...
صدقوني لقد أبقيت على هذا المشهد الذي تجاوز العشر دقائق فقط بدافع الفضول والاستغراب، واذكر جيداً أنني كنت بين الحين والآخر أصدر شهقة تعجب معناها: يخرب بيتك!!
وأرجو ألا تعتبروا أنني متخلفة مثلاً أو لا أواكب عصرنا الجميل ولا أرى بعضاً من كليباتنا الهادفة، أو أنني لا اعلم أن حدوث هذه الأشياء من الرقص والسهر والسجائر لفتيات المفترض أنهن في سن المراهقة هو شئ يحدث بالفعل، ولكن ما كان يدور بذهني يتجاوز هذا بكثير.. فقد كنت أردد بيني وبين نفسي هذه الأسئلة ولكم أن تفهموا ما داخلي عن طريقها:
- هو ده مسلسل؟!..
- هي منة شلبي مثلت في حاجة قريب؟!..
- أنا سمعت إنها عملت مسلسل في رمضان اسمه سكة الهلالي، يكونش هو ده؟
- طب لوده المسلسل معنى كده انه أتذاع في رمضان، صح؟!..
- يعني المشهد ده أتعرض في رمضان؟!..
- يعني الناس شافت الرقص والإسفاف ده كله بعد ما صلت التراويح؟!!...
- مصيبة لا يكون قبل صلاة التراويح؟!!!.....
- وإذا كان ده مشهد، أمال باقي المسلسل عامل أزاي؟!!!....
- يعني ممكن يكون فيه بنات من سن أخواتي البنات 13 ،15 سنة شافوه ومعنى كده انه عادي وممكن يفهموا انه ده شئ عادي ممكن يعملوه مفيهوش ضرر يعني!!!....صح؟!!!...
- أمال لما ده ييجي في التليفزيون المصري إللي كل الناس بتابعه في رمضان، يبقى إيه اللي بيحصل بجد في الشوارع والخيم اللي المفروض إنها رمضانية؟!!!
أجل هذا ما كان يدور بذهني وأكثر بسرعة تفوق سرعة منة شلبي في الكلام، وباقي المشهد لا داعي له فقد اتضح بعد ربع ساعة من الرقص المتواصل من عشر فتيات أن هذه ليلة عادية في الديسكو، وهي وسيلة لتسابق الفتيات أيهن أبرع في هز الوسط وترجيج باقي الجسم..
ولكن بعد خروج البطلة مقهورة ومتغاظه –يا عيني- من المسابقة بدون اللقب الذي يثبت أنها بنت رقاصة ، أخذت حقيبتها وعلبة سجائرها وصديقها –بالمرة- وهتفت وهي تخرج من باب الديسكو: المكان ده بقى بيئة.. انا مش جاية هنا تاني!..
رد صديقها: وماله ما الديسكوتك كتير في البلد ماتزعليش نفسك نروح واحد تاني..
ردت البطلة: لأ.. انا عايزه اروح كفاية سهر النهاردة
وتوقعت أن تكون الأمسية قد انتهت في الثانية عشرة على الأكثر فالسهر يبدأ عادة في الحادية عشرة وهي لم تكمل سهرتها –تفسير منطقي وواضح- إلا أن صديقها نظر إلى ساعته باندهاش وهو يقول لها: إيه؟..نروح بدري كده؟!!!.....دي الساعة لسه 4 الفجر؟!!!!!!!!
بالطبع علامات التعجب ليست كلها لصاحب السؤال، فقد كان نصيبي الأكبر فيها.. المهم ان البطلة أجابت وهي تفتح باب السيارة: خليني أروح مرة واحدة بدري بقى يا أخي.. حتى عشان شكلي مايبقاش وحش قدام الجيران!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
هذه المرة كل علامات التعجب من نصيبي وحدي..
كانت هذه هي نهاية المشهد وجاء الفاصل الإعلاني ليؤكد شكوكي وأن هذا فعلاً هو مسلسل "سكة الهلالي" والذي كان يعرض في رمضان الماضي ولا اعلم على وجه التحديد في أي ساعة من اليوم كان يعرض..
بالتأكيد أنا لم أشاهد المسلسل..لذا فليس من حقي أن احكم عليه، ومن الممكن أن يكون هذا المشهد بداخل العمل الدرامي مساعداً..
ولكن هذا ما رأيته ولم استسغه، ولم أفهم لماذا كانت الكاميرا تركز نظراتها على بطون وأرداف الفتيات الراقصات؟.. ولا أعلم إن كان هذا يساعد العمل الفني أم لا، ولكني اعلم بالتأكيد أن مشهداً يتجاوز العشر دقائق لا يحتوى إلا على أجساد الفتيات يتلوين تحت أضواء الديسكوتك لا يمكن أن يساعد إلا على أشياء معينة أنا في غنى عن ذكرها، أما عن السجائر فنعم أنا اكرهها شخصيا –وبيني وبينها تار بايت- إلا أنني لست منحازه عندما أقول أن حرق أكثر من 3 سجائر في هذه المدة الزمنية القصيرة على يد فتاه تحبها جميع الفتيات ويتخذونها رمزاً تعد دعوة مفتوحة لأن يفعلن مثلها..جدير بالذكر أنني لم أشاهد إلا مسلسلاً مصريا واحدا في رمضان، لذا فلن احكم على شئ لم أره كما قلت سابقاً، ولكن بالله عليكم ألم يكن في استطاعة كاست العمل الفني أن يجنبونا مثل هذه المشاهد التي تقتحم البيوت والعقول؟
ترى لو كان هذا المشهد به رقص اقل وأشياء أخرى اقل وفن أكثر ألم نكن سنفهم الجو المحيط ببطلة المسلسل وندرك ما الذي تعيشه؟!!
ولكن يبدو أن صناع المسلسلات لم يعد يعنيهم إلا نسبة المشاهدة بغض النظر عن المضمون، ولا يعنيهم إلا الإثارة التي لا تثير إلا بعض المراهقين وأصحاب النفوس المريضة.
أؤكد لكم انني هنا لا انتقد منة شلبي كشخص ولا المسلسل كعمل درامي.. ولكني انتقد تفكير من اعتقدوا ان هذا هو ما يناسب المشاهد المصري.. ما يطلبه ويريد أن يشاهده..إنهم يستخفون بعقولنا..بديننا..بالشهر الذي اكرمنا به لنطهر انفسنا من سيئات عام كامل، ونقدي الوحيد على فناني هذه الأعمال هو موافقتهم على تأدية مشاهد لن تضيف لرصيدهم الفني شيئاً إن كانت لن تنقص..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق