لم أعد أشعر بالغرابة الآن مثلما كان الحال من قبل.. بالطبع مازلت أشعر بالوحدة ولكني لم أعد أضبط نفسي ثم أستغرق في الدهشة من هذا الإحساس الذي يغمرني ..
إحساس الوحدة القاتلة وأنا بين كل هؤلاء البشر، وهم حتى ليسوا بالبشر العاديين.. إنهم أهلي.. إخوتي وأمي وأبناء أخواتي..
كنت قبلاً أضبط نفسي مستوحده مع نفسي وأنا وسط كل هذه الجلبة التي تسمع في آخر الدور في حينا، ولكني الآن أستغرق فيها وأنا لا أندهش من هذا الاستغراق.. بالتأكيد مازلن يتحدثن بلا انقطاع، تارة في نغمة موحدة وموضوع واحد وتارة أخرى في نغمات منفصلة وكل واحدة تحدث أخرى فيما يهمهما.
ولكن كل هذه النغمات سواء كانت مجتمعة أم منفصلة لم تكن تخصني في شئ.. في الواقع مازالت لا تخصني في شئ.. يندمجن جميعاً في مشاكلهن وضحكاتهن ومواضيعهن وينسين بالتدريج وجودي بينهن، أعلم أنني أحب وجودهن وأعتبر اليوم الذي يجتمعن فيه بمثابة عيد أسبوعي بالنسبة للمنزل كله، ولكن .. ولكني أفتقد وجودي في قلب أي حدث يهمني ويحركني ويقلب كياني..
آه .. كم أفتقد لجنوني وعدوي تحت أمطار الشتاء .. لإحساسي بملمس شعري تتطاير خصلاته بجنون وتتحد مع ليل البحر البهيم .. لجلسة ضاحكة لا يوجد فيها مشاكل بيت ورجل وأطفال لا ولن تنتهي مطالبهم واحتياجاتهم وقصصهم يوماً .. للحظات أبكي فيها على كتف صديقتي بدون سبب إلا إحساسي بالرغبة الملحة في البكاء وإطلاق مشاعري بدون خوف من الانتقاد .. لدخول السينما بدون انتقاء أفلام تليق بكل العائلة والتي تكون في المعتاد أفلام تحث على الغباء لا أكثر .. كم أوحشتني جلساتنا أنا وصويحباتي على الكافية المطل على البحر نحتسي ما نريد، نضحك عندما نريد، نغني عندما نريد.. وعندما نغادر منطلقين إلى الشاطئ ننزع أحذيتنا وندع الماء الدافئ يغمر أقدامنا ونعدو بين الضحكات..
اعلم أن الزواج هو سنة الحياة.. وأنهن مهما اشتكين من المشاكل والمشاغل لم تعد بهن الرغبة السابقة في كل ما تقاسمناه سوياً في الأيام التي خلت..ولكن..لا اعلم ماذا حدث لي أنا الأخرى..من الصعب أن أكون مثل هذه الصداقات الصادقه بسهولة..وبالتأكيد لن أشارك انطلاقاتي المجنونة مع سواهن..لذا فلم أعد كما أنا، أصبحت أخرى غريبة عني .. وكأن زواج آخر صديقاتي كان بالنسبة لي ايذاناً بانتهاء عهد البراءة والانطلاق.. كأنني تزوجت معهن من يمنعني من فعل ما أشاء وقتما أريد.. ولكن أين هو..انه بداخلي.. من يمنعني ليس زوج غيور.. ما يمنعني هو عدم قدرتي على الاستمتاع بحياتي كما السابق ..فلم اعد أحتفل بالشتاء كما يجب، ولم اعد أبالي بانتهاء الصيف وأبدأ في التحضير لأفضل شهور العام.. ولم أعد أذهب للبحر كثيراً.. بالرغم من افتقادي له..لم أعد افعل أشياء كثيرة كانت تمنحني البهجة الصافية.. حتى الكتابة لم تعد تشغل حيزاً كبيراً من وقتي كما كانت..
لا اعلم ما بي على وجه التحديد.. هل هو اغتراب عن واقعي؟..هل هو مجرد إحساس بالوحدة سيزول يوماً..هل هناك حتى من يشعر بي ويفهم ما كتبته الآن؟!!!
حتى أنني اكتب أسئلة لا استطيع إجابتها..
إنها مجرد كلمات أخطها على أوراقي عسى أن تجد لها سبيلاً لتتنفس بعيداً عن أروقه أفكاري.. أتمنى أن يزول هذا الإحساس..أتمنى أن اقضي يوما على شاطئي الحبيب ارتمي بين أحضان أمواجه حتى اتعب فأعود لأجد دفتي كتابي تنفتحان على عالماً مسحوراً.. أتمنى أن أعود كما كنت..أتمنى أن احتفل بالشتاء القادم.. أتمنى هذا كثيراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق